الصين وراء أغلب أزمات قطاع السيارات الأوروبى
للمرة الأولى منذ تأسيسها قبل 87 عاماً، تفكر شركة “فولكس واجن” في إغلاق ثلاثة من مصانعها في ألمانيا وتخفيض أجور العمال بنسبة 10%، ومع أن الشركة لم تؤكد بعد هذا القرار، إلا أن ذلك يعكس حجم الضغوط التي تواجهها “فولكس فاجن” في ظل التحديات المتزايدة.
وليست “فولكس فاجن” وحدها بين شركات السيارات الأوروبية التي تتجه نحو تقليص عملياتها بشكل جذري، إذ تواجه شركة “ستيلانتس”، المالكة لعلامات “أوبل” و”فيات” و”بيجو”، ضغوطاً من الساسة والنقابات الإيطالية للحفاظ على مصنع “فيات” التاريخي في تورين، رغم تراجع المبيعات.
وتشير تقارير إلى انتقال خطوط التجميع الفرنسية إلى مواقع منخفضة التكلفة، مثل المغرب وتركيا، الأمر الذي يضع قطاع السيارات الأوروبي، الذي يوظف نحو 14 مليون شخص ويساهم بـ7% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، أمام أزمة شديدة.
فالتحديات تتفاقم مع الانتقال من محركات الاحتراق الداخلي إلى السيارات الكهربائية، في وقت يتراجع فيه الطلب على السيارات محلياً وعالمياً، حسب ما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
الصين تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم هذه التحديات، حيث تحتدم المنافسة على مبيعات السوق المحلية التي كانت مربحةً من قبل، كما أن سياراتها الكهربائية ذات الجودة العالية والتكلفة المنخفضة تصدر إلى أوروبا بأعداد متزايدة.
ليست ثمة حلول سهلة لهذه المشكلة، حيث اتبعت أوروبا خطى الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية على السيارات المستوردة من الصين، لكن قادة الصناعة مثل كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لـ”ستيلانتس”، وأوليفر زيبيسه، الرئيس التنفيذي لـ”بي إم دبليو” يرون أن الحمائية ستزيد من تكلفة السيارات على المستهلكين وتسرع إغلاق المصانع في أوروبا.
وقال زيبيسه مؤخراً على هامش معرض باريس للسيارات، إن على الشركات الأوروبية “ألا تكون خائفة بشكل مفرط” من المنافسة الصينية، مشيراً إلى أن الحمائية ليست ضرورية.
وحث المصنعون الحكومات على توفير البنية التحتية للشحن وتقديم حوافز مالية للسيارات الكهربائية، إلا أن ذلك لن يساعد في إنعاش الصادرات البطيئة خارج القارة.
قد يكون التعاون مع شركات السيارات الصينية، التي تعلمت كيفية إنتاج سيارات كهربائية عالية الجودة بتكلفة أقل، وسيلة لتوفير شبكة توزيع جاهزة لتسريع توسعها في أوروبا.
ووصف روبرتو فافاسوري، رئيس اتحاد صناعة السيارات الإيطالية، الصين بأنها “الفيل في الغرفة” والعامل الذي يجعل هذا الركود مختلفاً عن غيره، قائلاً: “بالنسبة للعديد من الموردين في صناعة السيارات.
ويطرح تافاريس سؤالاً بسيطًا على شركات صناعة السيارات والساسة في أوروبا: “هل تريدون المشاركة في السباق أم لا؟”، محذرًا من أن النتيجة بالنسبة لأولئك الذين يختارون عدم المشاركة ستكون “الاختفاء”.
تبدأ مشاكل شركات السيارات الأوروبية من الداخل؛ حيث لم تتعافى مبيعات السيارات في أوروبا إلى مستويات ما قبل الجائحة، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يضر بالطلب.
ويأتي هذا الضغط في وقت تواجه فيه الشركات الانتقال إلى التكنولوجيا الخضراء.
ووفقاً للتشريعات الحالية، لن يكون من الممكن بيع سيارة تعمل بالبنزين أو الديزل في الاتحاد الأوروبي أو في أسواق أخرى مثل المملكة المتحدة بعد عام 2035، ولاتزال السيارات الكهربائية مكلفة الإنتاج في أوروبا، ويرجع ذلك في الغالب إلى ارتفاع تكلفة البطاريات، مما يجعلها باهظة الثمن للشراء، كما يريد المستهلكون سيارات كهربائية أرخص ومحطات شحن أكثر، ويتأخر كثيرون في شراء السيارات حتى يحصلوا عليها.
ونتيجة لذلك، تتباطأ المبيعات بالتزامن مع دخول قواعد الانبعاثات الصارمة للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ العام المقبل، مما يتطلب تحولاً أسرع إلى السيارات الصديقة للبيئة.
ويشير فافاسوري إلى أن شركات السيارات الأوروبية لم تعد تستطيع الاعتماد على الصادرات للخروج من الأزمة. فقد تجاوزت الصين اليابان العام الماضي وأصبحت أكبر مصدّر للسيارات الجديدة في العالم، مع سعي منتجيها لتنويع أسواقهم بعيداً عن السوق المحلية المزدحمة، ويشير فافاسوري إلى أن شركات صناعة السيارات الأوروبية لم تعد تستطيع الاعتماد على الصادرات للخروج من الأزمة.
فقد تجاوزت الصين اليابان العام الماضي وأصبحت أكبر مصدر للسيارات الجديدة في العالم، مع سعي منتجيها لتنويع أسواقهم بعيداً عن السوق المحلية المزدحمة.
وتشكل الصين مشكلة لشركات السيارات الأوروبية بطرق أخرى، فالشركات الصينية، مثل “بي واي دي” و”نيو” و”إم جي” و”سايك”، و”جريت وول” و”شيري”، تصنع سيارات كهربائية أكثر تقدماً بتكاليف أقل بنسبة 30% مقارنةً بنظيراتها الأوروبية.
وكان صعود العلامات التجارية المحلية في الصين سببًا في انخفاض حاد في مبيعات شركات السيارات الأوروبية والأمريكية واليابانية في السوق الصينية، والتي كانت في الأعوام الأخيرة أكبر وأربح سوق لعلامات تجارية مثل “فولكس واجن” و”مرسيدس-بنز” و”بي إم دبليو”.
وتراجعت الحصة السوقية للعلامات التجارية الأجنبية في مبيعات السيارات في الصين إلى مستوى قياسي بلغ 37% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، بعد أن كانت 64% في عام 2020، وذلك وفقاً لبيانات شركة الاستشارات “أوتوموبيليتي” في شنغهاي.
وهذا زاد من الضغط على المشاريع المشتركة التي أقامتها شركات السيارات الغربية مع شركاء محليين عند دخولها السوق الصينية لأول مرة.
فقبل عامين، سمحت بكين للشركات الأجنبية بالعمل بشكل مستقل، وفي سبتمبر، انسحبت “مرسيدس-بنز” من مشروع مشترك للسيارات الكهربائية استمر 13 عاماً مع شركة “بي واي دي”.
كما تفكر “فولكس فاجن”، التي كانت من أولى الشركات التي دخلت السوق الصينية، في إغلاق مصنع لها في نانجينج، الذي تديره مع شريكها الأقدم في المشروع المشترك، شركة “سايك”.
وإذا اختارت شركات السيارات الصينية الالتفاف على الرسوم الجمركية للاتحاد الأوروبي من خلال افتتاح مواقع تصنيع في أوروبا، كما فعلت نظيراتها اليابانية في الثمانينيات والتسعينيات، فسيتفاقم فائض الطاقة الإنتاجية في صناعة السيارات الأوروبية.
ومن المرجح أن يختار القادمون الجدد مواقع منخفضة التكلفة في أوروبا الشرقية لتصنيع سياراتهم، خاصةً في دول مثل المجر، التي تتمتع بحكومات صديقة للصين نسبياً.
وهذا سيفرض ضغط أكبر على الشركات المصنعة في الدول ذات التكلفة العالية ويقوّض فعالية الرسوم الجمركية المفروضة لحماية شركات السيارات الألمانية والفرنسية.
ومع استمرار تقدم الصين في مجال السيارات الكهربائية وتكنولوجيا البطاريات والبرمجيات، تتبع بعض شركات السيارات الأوروبية استراتيجية مختلفة للبقاء، وهي التحول نحو الشراكة مع الصين.
يقول آندي بالمر، مستشار والرئيس التنفيذي السابق لشركة السيارات الفاخرة “أستون مارتن”: “ما الذي فعله الصينيون، وما الذي فعله اليابانيون والكوريون عندما كانوا متخلفين في التكنولوجيا؟ لقد تعاونوا”.
وأضاف أنه يجب على الصناعة الأوروبية أن تشجع الصينيين على التوطين في أوروبا، وأن تتعاون معهم، خاصةً في مجال تكنولوجيا البطاريات، لتتمكن من سد الفجوة.
فقد بدأت “فولكس واجن” بالفعل التعاون مع شركة ناشئة صينية تدعى “إكسبنج” لتطوير السيارات الكهربائية بسرعة وتكلفة أقل.، كما عقدت “رينو” الفرنسية، التي قلصت بشكل كبير تواجدها في السوق الصينية، شراكة مع مالك شركة “فولفو كارز” و”جيلي” لبناء تقنيات محركات احتراق متقدمة.
وبعد تقليص أنشطتها في الصين، تراهن “ستيلانتس” على استراتيجية جديدة تختلف عن منافسيها، حيث جلبت علامة تجارية صينية إلى أوروبا.
وفي العام الماضي، استحوذت على حصة 20% من شركة ناشئة صينية تدعى “ليب موتور” بقيمة 1.5 مليار يورو، مما يمنحها حقوقاً حصرية لتصنيع وبيع سيارات “ليب موتور” خارج الصين عبر مشروع مشترك، وبالفعل، تُباع العلامة التجارية الآن من خلال 200 موزع في 13 سوقاً أوروبياً.
لا تقتصر القيادة الصينية في مجال الدفع الكهربائي على التكلفة فقط، إذ يظهر فجوة أخرى في مجال التكنولوجيا.
ويشير كريستوف ويبر، الذي يقود أعمال شركة “أوتوفورم” السويسرية للبرمجيات الهندسية في الصين، إلى أن شركات السيارات التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير جذري في أسلوب عملها إذا أرادت مواكبة سرعة تبني منافسيها الصينيين للتقنيات والتصاميم الجديدة.